سورة الإسراء - تفسير تفسير النسفي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (الإسراء)


        


{قُل لَّوْ كَانَ فِي الأرْضِ مَلائِكَةٌ يَمْشُونَ} على أقدامهم كما يمشي الإنس، ولا يطيرون بأجنحتهم إلى السماء فيسمعوا من أهلها ويعلموا ما يجب علمه {مُطْمَئِنِّينَ} حال أي ساكنين في الأرض قارين {لَنَزَّلْنَا عَلَيْهِم مِّنَ السَّمَآءِ مَلَكاً رَّسُولاً} يعلمهم الخير ويهديهم المراشد، فأما الإنس فإنما يرسل الملك إلى مختار منهم للنبوة فيقوم ذلك المختار بدعوتهم وإرشادهم و{بشراً} و{ملكاً} حالان من {رسولاً} {قُلْ كفى بِاللَّهِ شَهِيداً بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ} على أني بلغت ما أرسلت به إليكم وأنكم كذبتك وعاندتم. {شهيداً} تمييز أو حال {إِنَّهُ كَان بِعِبَادِهِ} المنذرين والمنذرين {خَبِيراً} عالماً بأحوالهم {بَصِيراً} بأفعالهم فهو مجازيهم وهذه تسلية لرسول الله عليه السلام ووعيد للكفرة {وَمَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ} وبالياء: يعقوب وسهل، وافقهما أبو عمرو، ومدني في الوصل أي من وفقه الله لقبول ما كان من الهدى فهو المهتدي عند الله {وَمَنْ يُضْلِلْ} أي ومن يخذله ولم يعصمه حتى قبل وساوس الشيطان {فَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ أَوْلِيَآءَ مِن دُونِهِ} أي أنصاراً {وَنَحْشُرُهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ على وُجُوهِهِمْ} أي يسحبون عليها كقوله {يوم يسحبون في النار على وجوههم} [القمر: 48] وقيل لرسول الله عليه الصلاة والسلام كيف يمشون على وجوههم؟ قال: «إن الذي أمشاهم على أقدامهم قادر على أن يمشيهم على وجوههم» {عُمْياً وَبُكْماً وَصُمَّاً} كما كانوا في الدنيا لا يستبصرون ولا ينطقون بالحق ويتصامون عن استماعه، فهم في الآخرة كذلك لا يبصرون ما يقر أعينهم ولا يسمعون ما يلذ مسامعهم ولا ينطقون بما يقبل منهم {مَّأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ كُلَّمَا خَبَتْ} طفئ لهبها {زِدْنَاهُمْ سَعِيراً} توقدا.


{ذَلِكَ جَزَآؤُهُمْ بِأَنَّهُمْ كَفَرُوا بِآيَاتِنَا وَقَالُوآ أَئذَا كُنَّا عِظَاماً وَرُفَاتاً أَئنَّا لَمَبْعُوثُونَ خَلْقاً جَدِيداً} أي ذلك العذاب بسبب أنهم كذبوا بالإعادة بعد الإفناء فجعل الله جزاءهم أن سلط النار على أجزائهم تأكلها ثم يعيدها، لا يزالون على ذلك ليزيد في تحسرهم على تكذيبهم البعث.
{أَوَ لَمْ يَرَوْا} أو لم يعلموا {أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضَ قَادِرٌ على أَن يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ} من الإنس {وَجَعَلَ لَهُمْ أَجلاً لاَّ رَيْبَ فِيه} وهو الموت أو القيامة {فَأَبَى الظَّالِمُونَ إِلاَّ كَفُوراً} جحوداً مع وضوح الدليل {قُل لَّوْ أَنتُمْ تَمْلِكُونَ} تقديره: لو تملكون أنتم لأن {لو} تدخل على الأفعال دون الأسماء فلا بد من فعل بعدها فأضمر تملك على شريطة التفسير وأبدل من الضمير المتصل وهو الواو ضمير منفصل وهو أنتم لسقوط ما يتصل به من اللفظ ف {أنتم} فاعل الفعل المضمر و{تملكون} تفسيره، وهذا هو الوجه الذي يقتضيه علم الإعراب. وأما ما يقتضيه علم البيان فهو أن {أنتم تملكون} فيه دلالة على الاختصاص وأن الناس هم المختصون بالشح المتبالغ {خَزَآئِنَ رَحْمَةِ ربي} رزقه وسائر نعمه على خلقه {إِذاً لأمْسَكْتُمْ خَشْيَةَ الإنفَاقِ} أي لبخلتم خشية أن يفنيه الإنفاق {وَكَانَ الإنْسانُ قَتُوراً} بخيلاً.
{وَلَقَدْ آتَيْنَا موسى تِسْعَ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ} عن ابن عباس رضي الله عنهما: هي العصا واليد والجراد والقمل والضفادع والدم والحجر والبحر والطور الذي نتقه على بني إسرائيل. وعن الحسن: الطوفان والسنون ونقص الثمرات مكان الحجر والبحر والطور {فَاسْألْ بني إِسْرَاءِيلَ} فقلنا له اسأل بني إسرائيل أي سلهم من فرعون وقل له أرسل معي بني إسرائيل. وقوله {إِذْ جاءهم} متعلق بقوله المحذوف أي فقلنا له سلهم حين جاءهم {فَقَالَ لَهُ فِرْعَوْنُ إِنِّي لأظُنُّكَ ياموسى مَسْحُوراً} سحرت فخولط عقلك.


{قَالَ} أي موسى {لَقَدْ عَلِمْتَ} يا فرعون {مَآ أَنزَلَ هَؤُلاءِ} الآيات {إِلاَّ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ} خالقهما {بَصَآئِرَ} حال أي بينات مكشوفات إلا أنك معاند ونحوه {وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم ظلماً وعلواً} [النمل: 14] {علمت} بالضم: عليّ أي إني لست بمسحور كما وصفتني بل أنا عالم بصحة الأمر، وأن هذه الآيات منزلها رب السماوات والأرض. ثم قارع ظنه بظنه بقوله: {وَإِنِّي لأظُنُّكَ يَافرِعَوْنُ مَثْبُوراً} كأنه قال: إن ظننتني مسحوراً فأنَا أظنك مثبوراً هالكاً وظني أصح من ظنك لأن له أمارة ظاهرة وهي إنكارك ما عرفت صحته ومكابرتك لآيات الله بعد وضوحها، وأما ظنك فكذب بحت، لأن قولك مع علمك بصحة أمري {إني لأظنك مسحوراً} قول كذب. وقال الفراء: مثبوراً مصروفاً عن الخير من قولهم (ما ثبرك عن هذا) أي ما منعك وصرفك؟ {فَأَرَادَ أَن يَسْتَفِزَّهُم} يخرجهم أي موسى وقومه {مِّنَ الأرْضِ} أي أرض مصر أو ينفيهم عن ظهر الأرض بالقتل والاستئصال {فَأَغْرَقْنَاهُ وَمَن مَّعَهُ جَمِيعاً} فحاق به مكره بأن استفزه الله بإغراقه مع قبطه {وَقُلْنَا مِنْ بَعْدِهِ} من بعد فرعون {لبني إِسْرَائِيلَ اسْكُنُوا الأرْضَ} التي أراد فرعون أن يستفزكم منها. {فَإِذَا جَآءَ وَعْدُ الآخرَةِ} أي القيامة {جِئْنَا بِكُمْ لَفِيفاً} جمعاً مختلطين إياكم وإياهم ثم نحكم بينكم ونميز بين سعدائكم وأشقيائكم، واللفيف الجماعات من قبائل شتى.
{وَبِالْحَقِّ أَنْزَلْنَاهُ وَبِالْحَقِّ نَزَلَ} وما أنزلنا القرآن إلا بالحكمة وما نزل إلا ملتبساً بالحق والحكمة لاشتماله على الهداية إلى كل خير، أو ما أنزلناه من السماء إلا بالحق محفوظاً بالرصد من الملائكة، وما نزل على الرسول إلا محفوظاً بهم من تخليط الشياطين. قال الراوي: اشتكى محمد بن السماك فأخذنا ماءه وذهبنا به إلى طبيب نصراني، فاستقبلنا رجل حسن الوجه طيب الرائحة نقي الثوب فقال لنا: إلى أين؟ فقلنا له: إلى فلان الطبيب نريه ماء ابن السماك. فقال: سبحان الله تستعينون على ولي الله بعدو الله! اضربوه على الأرض وارجعوا إلى ابن السماك وقولوا له: ضع يدك على موضع الوجع وقل: {وبالحق أنزلناه وبالحق نزل} ثم غاب عنا فلم نره فرجعنا إلى ابن السماك فأخبرناه بذلك فوضع يده على موضع الوجع وقال ما قال الرجل وعوفي في الوقت وقال: كان ذلك الخضر عليه السلام {وَمَآ أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ مُبَشِّراً} بالجنة {وَنَذِيراً} من النار.

4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9 | 10 | 11